ما الذي وقع بين الياس المالكي و الامازيغي
الشلح يبقى غير شلح عقلو صغير و جيعان
هذه هي المقولة التي وضعت إلياس المالكي محطّ اهتمام واسع في الأوساط الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث عرض فكرة التصالح بعد الخلاف الذي نشأ بينه وبين أحد النشطاء الأمازيغ. هذا الخلاف اندلع إثر تصريح لإلياس المالكي، فُهم منه تقليل من شأن الأمازيغ، ما دفع عدة ناشطين أمازيغيين للتعبير عن استيائهم والتصدي لما اعتبروه انزلاقاً في حديثه، خاصةً بعد أن كان إيحاءً بوجود سوء تفاهم بين المالكي وفئات أخرى داخل المجتمع المغربي.
كاس الستريمرز
كان إلياس المالكي على وشك المشاركة في بطولة كأس العالم للستريمرز التي تُعقد في مدينة برشلونة، حيث كان يُمثّل المغرب وإفريقيا في حدث يشاهده ملايين المتابعين حول العالم. لهذا الحدث بُعد رمزي وسياسي، حيث اختار المالكي أن يروج في فيديو تقديمي للقيم المغربية وللوحدة الوطنية، متعهداً بأن يخصص جزءًا من عوائد جائزته في حال فوزه لدعم مناطق الأطلس عبر حفر الآبار وتقديم خدمات أخرى. اعتبرت هذه الخطوة خطوة إيجابية من الناحية المجتمعية والسياسية، إذ حاول إيصال رسائل تعبر عن تقديره للوحدة الوطنية.
سبب الخلاف
لكن الحدث الذي أشعل الخلاف وقع خلال بث مباشر على منصة “تيك توك” حين دخل في حوار حاد مع أحد المشاهدين، الذي أطلق تصريحات اعتبرها المالكي استفزازية. وردّاً على ذلك، قام المالكي بنعت الشخص بعبارات مسيئة، ما أثار غضب شريحة من الجمهور الأمازيغي، خصوصاً بعد أن استُنتج من كلامه أن الأمازيغ عموماً كانوا موضوع هذه الإساءات. وعلى الرغم من محاولاته اللاحقة للتوضيح والتأكيد أن كلامه كان موجهاً لشخص معين، إلا أن هذه الواقعة استدعت تقديم شكاوى قانونية ضده، ووضعت قضيته أمام النيابة العامة.
إضافةً إلى ذلك، كان المالكي قد تلقى سابقاً استدعاءات قضائية تتعلق بنزاعات أخرى، ما أضاف إلى سجله قضايا متعددة تتطلب حضوره أمام القضاء. وبعد قضائه فترة قصيرة تحت الحراسة النظرية، ظهر أمام المحكمة الابتدائية حيث تقرر تمديد احتجازه لتمكين النيابة من النظر في تفاصيل القضية.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تباينت ردود الفعل بين من يدين تصرفات المالكي ويرى أنه تجاوز الحدود في تصريحاته، وبين من يرى أن الأمر لا يستدعي كل هذا التصعيد وأنه قد يكون خانته كلماته في لحظة غضب. ولعل ما زاد من تعقيد الموقف هو توقيت الأزمة، إذ تأتي في وقت تتعرض فيه البلاد لحملة واسعة من الانتقادات في الساحة الإعلامية، ما دفع بعض المغاربة للتأكيد على أهمية استغلال مثل هذه الفعاليات الدولية كفرصة لتمثيل البلاد بشكل إيجابي.
ردة فعل الياس المالكي بعد الجدال
أكد المالكي، لاحقاً، أنه يقصد احترامه العميق للأمازيغ المغاربة، موضحاً أن تصريحاته كانت تخص فئات معينة وليس الأمازيغ كافة. كما أضاف في بث لاحق أن الأمازيغ المغاربة هم “السكان الأصليون وأهل البلد” وأنه يجلّهم ويعترف بدورهم التاريخي في بناء المغرب.
ختاماً، يرى بعض المتابعين أن على المالكي التراجع عن تصريحاته السابقة بشكل مباشر وعلني وأن يقدم اعتذاراً صريحاً للأمازيغ، مشيرين إلى أهمية المصالحة ورأب الصدع بين مختلف الفئات المجتمعية بدلاً من تعميق الخلافات.
احمد عصيد حول قضية الياس المالكي
يتزايد الخلط بين حرية التعبير عن الرأي والموقف وبين القذف والتحريض على الكراهية بين بعض الشباب في منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب، مما يتطلب توضيحًا لحدود حرية التعبير وضوابطها من الناحية القانونية والأخلاقية. فحرية التعبير حق مكفول لكل شخص، تتيح له إبداء رأيه حول قضايا سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، بيئية، فنية، أو أدبية. هذا الحق يتيح للشخص التعبير عن رأيه بأدب واحترام، ولكن عندما يتحول هذا التعبير إلى إساءة، سب، أو قذف، فإن هذا يعد خرقًا للقانون ويمثل جريمة إلكترونية.
يجب أن يدرك الشباب الذين يستعملون وسائل التواصل الاجتماعي أن الإساءة للآخرين ليست تعبيرًا عن الرأي، بل اعتداء على كرامة الآخرين وتحريض على الكراهية، وهي أفعال يعاقب عليها القانون. فالكلام الذي يحمل نية الإساءة ليس له أي قيمة علمية أو أدبية أو واقعية، بل يُستخدم لإيذاء الآخرين والتشهير بهم. ومثال على ذلك، استخدام كلمات مثل “الشلوح” لتسمية الأمازيغ، وهي كلمة ذات أصل عربي تعني الاعتداء والتعرية. يجب تجنب هذا النوع من المصطلحات القدحية التي أطلقها الآخرون وليس الشعب المغربي نفسه، فقد اختار الأمازيغ اسم “إيمازيغن” للإشارة إلى أنفسهم، وعلى من يريد الإشارة إليهم أن يحترم ذلك.
كلمة بربر
كذلك، إن كلمات مثل “بربر” التي أطلقها اليونانيون والرومان قديمًا للتعبير عن الشعوب الأخرى بما فيها المغاربة بشكل دوني، يجب أن تُستبدل بالمصطلحات التي اختارها الناس لأنفسهم، فالشعوب هي من تختار أسمائها، وعلى الآخرين احترام ذلك. هذا السلوك يعكس تربية وأخلاق الفرد، كما أن السب والقذف لا يعبران عن رأي نقدي، بل عن ضعف أخلاقي لدى من يمارسه.
إن انتقاد سلوك معين مثل رمي النفايات في الشارع هو نقد بنّاء، يهدف إلى الإصلاح وليس الإساءة، وهذا النوع من النقد لا يدخل ضمن الإساءة؛ فالنقد ضروري للتطور والإصلاح، ويجب أن يتم بأسلوب أخلاقي وهدفه التوعية وليس التجريح. ويجب على الشاب الذي يعبر عن آرائه أن يتحلى بالشجاعة الأدبية وألا يلجأ للسب، فالشخص الذي يثق في نفسه وأفكاره يعبر عنها بقوة ووضوح، دون اللجوء إلى الإساءات.
أما عن المواضيع الحساسة مثل النقاش حول قوانين الميراث والإرث، والتي فتحت الدولة أبواب النقاش حولها، فطرح الرأي والمواقف حول هذه القضايا هو جزء من حرية التعبير وواجب مدني. ولكن عندما يتحول النقاش إلى تحريض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف ضد شخص معين، فإن هذا يدخل في نطاق الجريمة، وليس في نطاق حرية التعبير.
على سبيل المثال، من يدعو إلى قتل شخص لمجرد مناقشته لنص ديني أو اجتماعي يظهر عدم وعيه بمفهوم النقاش. فالدعوة إلى القتل والتحريض على الكراهية جريمة واضحة، بينما مناقشة القضايا الاجتماعية أمر مشروع ومسؤول.
إذا كنا نريد استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي لخدمة مجتمعنا، فيجب علينا التمييز بوضوح بين حرية الرأي والتعبير وبين الإساءة للآخرين. لأن وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تكون منصات للحضارة والرقي وليس للمواجهة والعنف.